قصة عمر شاهين
الوجوه الصامتة ملجمة بالهدوء والوقار الإجباري؛ فالصدمة مفاجئة و مذهلة والأنفس تكاد لا تُصدق ما حدث بكل هذه السرعة.
الجالسون
يشعرون أن الشيطان هو الذي يجلس على رقابهم، فنبضات القلوب تتسارع، وكأنها
دفقات مطر على نافذة زجاجية تُنذر بقدوم عاصفة رهيبة، والضباب الدخاني
الصادر من نرجيلة الأخ الأكبر محمود يزيد الجو رعبا، وكأن الغرفة مجلس
لمشعوذ وليس لعائلة.
بعد نصف ساعة من الصمت. تكلم محمود موجهاً كلامه إلى وجوه أخوته الذين لم يرفعوا أعينهم عن الأرض :
- اسمعوا جميعا لن يذهب دم والدي هدراً برصاصة شاب تافه تمسح جريمته عطوة صلح.
المهندس نزار الأوسط عمراً قال بصوت خافت :
- لقد
قُتل أبي غدراً، و لو أننا حكّمنا عقولنا، ما قتل أبي من أجل خلاف على
قطعة أرض. يا ليتنا تنازلنا عنها نهائياً وظل أبي حياً، البارحة جاءت
مجموعة من رجال القرية وطلبوا حقن الدماء. ولقد عاهدناهم بأن لا نرتكب أي ردة فعل، حتى يُحّل الأمر، والقاتل الآن في السجن ولن نرضى بالتنازل عن محاكمته .
محمود يحمر وجهه ويحتد صوته :
-
أهذا ما علمتك إياه الجامعات، الجبن، والسكوت على دم والدك الذي قضى عمره
كله من أجلنا، وقُتل بلحظة غدر حاقدة!!، تريد أن تكافئه بأن تنهي ضياع
عمره بفنجان قهوة ودية ونقود؟!
-هذا ليس من علم الجامعات يا محمود إنه حكم الله.
- وكيف سنسير أمام الناس في الشارع، ورؤوسنا تحت الأرض والعار سيلاحقنا في عيونهم .
-
نرضي الله ، ورضا الناس لا يعنيني.أنا أعيش في الولايات المتحدة منذ سنوات
طويلة،وتحصل الكثير من الجرائم يوميا، وتتولى المحاكم معاقبة المجرمين
،وليس الناس. فلم يتسبب في قتل والدي سوى كلام الناس. لقد تحول البشر إلى
شياطين تعشق رؤية الفتنة، و يا ليت والدي لم يستمع لأولئك الشياطين .
- أخرس ألم يتبق إلا أن تتهم والدك لتخفي جبنك.
حسنية الأخت الكبرى وقد اصفر وجهها :
- ماذا تقصد يا محمود ، الثأر؟
- وماذا غير الثأر، أتريدين مني توزيع الحلوى؟
- يا
ويلي، ضاع والدي يا أخي، ولا نريد أن يُحرق قلبي بواحد آخر في السجن أو
على حبل المشنقة. الثأر طريقة طويلة وشائكة ؛ أنه مثل وحش سَيفترس الجميع
واحداً وراء الآخر.
- اسمعي
يا حسنية أنت سوف تغادرين منذ الصباح الباكر إلى بيت زوجك، فلقد انتهى
العزاء، ولم نعد بحاجة لمساعدتك . المرحلة القادمة تحتاج إلى رجال (ينظر
بسخرية نحو نزار) هذا إذا تبقى أصلا رجال، فأنتم النساء مصدر التخاذل.
نزار الذي ازداد حنقه :
- إذن
يا أخي اذهب أنت واقتل رجلاً من بيت أبي عدنان، أنا وأخي لؤي وقبل أن أعود
للولايات المتحدة سوف ننهي النزاع مع الجماعة، دون أن نتنازل عن محاكمة
القتل، وسينال جزاءه الذي يستحقه.
- لا، اذهب من الآن!(مستهتراً) الثأر يجب أن ينفذ خلال يوم .
يتبع.....